מה שניצב לנגדי כפָנים | כרים אבו-שקרה, דיוקנאות

תנועתו של כרים אבו-שקרה בין הפיגורטיבי למופשט מקרינה עוצמה אנרגטית – אך גם עדינות נוגעת ללב. הדימוי המרכזי בציוריו, שצבעוניותו העזה טוענת אותו באקספרסיביות מתפרצת,

מונח על מצע מונוכרומטי בעל מראה רך, שכמו מרפד את הדימוי ומאפשר לו קיום בסביבה מכילה ובטוחה. ציורים אלה, שאבו-שקרה מחשיב אותם כ"דיוקנאות עצמיים", מציגים – בנוסף לדיוקנאות – גם פרטים מן החי והצומח בקרבת ביתו, שדרכם הוא בוחן את שורשיו ההיסטוריים והאמנותיים ויוצא למסעות חקר בעולמו הפנימי ובזהותו.

מוטיב חוזר בעבודותיו של אבו-שקרה בעשרים השנים האחרונות הוא שיח הצבר – דימוי טעון בתרבות הפלסטינית, שחשיבותו נגזרת מתפקידו המעשי והסמלי כגדר חיה המסמנת גבולות, וכך גם את עקבות נוכחותם של כפרים שהיו ונעלמו. שורשיו האיתנים של הצבר נאחזים באדמה גם בתנאים קשים, ושמו קשור במלה הערבית סאבר, שהוראתה סבלנות.

אצל אבו-שקרה מהווה הצבר נקודת-מוצא לדיון בשאלות קיומיות אישיות ואינטימיות, כמו גם בסוגיות לאומיות כבדות-משקל. דו-שיח אמנותי עֵר הוא מקיים עם דודו המנוח עאסם אבו-שקרה (1990-1961), שברבים מציוריו מופיע הצבר כשהוא עקור ושתול בעציץ. בתחילת דרכו, מעיד אבו-שקרה, צייר את הצבר בעיקר כמחווה לדודו, אך עם השנים רקם יחסים ישירים עם השיח והטביע בו מזהותו-שלו, ובאמצעותו הוא דן בהישרדות, המשכיות והגדרה עצמית בסביבה קשה ומאתגרת.

"היה לי בסטודיו פעם צבר שהנחתי על צלחת וציירתי, כתרגיל בציור טבע דומם" – מספר אבו-שקרה. "אחר כך שכחתי ממנו, הפסקתי להשקות אותו וחשבתי שהוא מת – אבל יום אחד, כעבור כמעט שנה בלי מים, ראיתי שהוא מצמיח את עצמו מחדש. הירוק הרענן הזה שהופיע מתוך העלים היבשים, ריגש אותי מאוד וגרם לי לחשוב מחדש על היכולת להתחדש ולהחזיק מעמד למרות הקושי, לקוות לטוב גם בתקופות של חוסר מוצא".

נדמה כי עם השנים הפך הצבר של אבו-שקרה למצע המצמיח קשת אינסופית של מצבי רוח, תחושות ומחשבות. דימוי זה היה לו לבית, שבו הוא מתחבר לא רק לשורשיו המשפחתיים והלאומיים אלא גם לנשמתו-שלו, כאדם וכצייר.

ما يمثل أمامي كوجه:

كريم أبو شقرة، صور ذاتية

القيّمة: نيطاع چال عتسمون

أنا الضيف في منزلي والمضيف.

نظرتُ إلى كل مُحْتَويات الفراغ فلم أَرَ

لي أَثَراً، ربما… ربما لم أكن ههنا.

– محمود درويش، كزهر اللوز أو أبعد

كريم أبو شقرة (مواليد 1982، أم الفحم) يرسم الكثير من البورتريهات، وخاصة البورتريهات الشخصية. مواضيع الصور الذاتية في لوحاته بموضعية أمامية، يظهر الجسد كله، وهي تنظر مباشرة إلى المشاهد. الشخصية المكشوفة، الوحيدة، تقف أمامنا بدون حراك، وكأنها خرجت من ضباب حقل اللون الأحادي الكثيف، التجريديّ، الذي يشحنها بمشاعر الغموض والرقة. الشخصية تقف أمامنا صامتة، على مسافة اللمس، لكنها تبدو كمن قطع شوطًا كبيرًا حتى وصلت إلينا من عالمها الفريد. الوجه يبدو أحيانًا هادءًا، مستغرقًا بالتفكير منطويًا على ذاته؛ وأحيانًا يبدو مشوهًا ممحيًا والفم عميقًا بارزًا، كأنه يصرخ بألم.

هذا ما يستدعي البورتريهات المعذّبة للرسام الإنجليزي فرانسيس بيكون، الذي اضطر أكثر من مرة لمواجهة صعوبة رسم البورتريه وقال أن التحدي في رسم شخصية هو استحضار الشيء بطريقة غير منطقية، ومع ذلك إخراجه حقيقي بالتمام، وفي حالة البورتريه – التعرّف عليه على أنه الشخص المرسوم. عمليّة رسم البورتريه معقدة بالفعل، بسبب التوق للامساك بشيء ما عميق يرتبط بالجوهر الداخلي للشخصية المرسومة، حتى لدى الحديث عن الصورة الذاتية. ربما، لأننا نعلم أن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل المسبق، فإننا نكتفي بوصف شعورنا الغامض بالنسبة لأنفسنا، أو الامساك بانطباع متملص ترك فينا شخصية عابرة في حياتنا، للحظة قصيرة أو طويلة.

الوجوه في صور أبو شقرة الشخصية كأنها تمعن النظر فينا، نحن الذين نتمعن بها. تتشكل مشاعر مفجعة في اللقاء الحميميّ معها، بينما نحن نقف أمامها محتارين، نحاول سبر غروها. القبح والغرابة يجذبان أنظارنا؛ الهشاشة والرقة يثيران الشعور بالاشمئزاز والتماهي على حد سواء. هل يثير فينا الاختلاف عدم الارتياح، أو هذه مجرد خيال؟

ربما القرب – جرأة النظرة غير الاعتذارية الموجّهة نحونا، التي ترغمنا على الانسلاخ عنها بشكل فعّال، بسبب هشاشتها ومناليتها بالذات – هي التي تثقل علينا بشدة؟ الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفانيس يرى في وجه الآخر نقطة انطلاق أخلاقية، تذكار وكناية عن الآخرية بمفهومها الأوسع. يقول ليفانس أنّ وجه الآخر يتجه نحونا بسبب كونه بدون حماية ومكشوفًا. قوة المباشرة والصراحة الكليّة لنظرة الوجه تفرض علينا الاستجابة لنداء المسؤولية تجاه الآخر، مسؤولية تجاه ما هو ليس لي، "أو ربما تجاه ما يمسني بالفعل، أي ما يثمل أمامي كوجه".

حَراك كريم أبو شقرة بين التصويريّ والتجريديّ يبث قوة حيويّة – وكذلك نعومة مؤثّرة. التصّوير الرئيسيّ في أعماله الفنّيّة، والذي تشحنه تلّويناته بتعبيريّة متدفقة، متموضعٌ على مسطح أحاديّ اللون ناعم المنظر، كأنه يغلّف التّصوير ويتيح له الوجود في بيئة حاضنة وآمنة. هذه اللوحات، والتي يعتبرها أبو شقرة "صور ذاتية"، تعرض – علاوة على البورتريهات – تفاصيل من الحي والنبات القريبان من بيته، والتي يفحص بواسطتها جذوره التاريخية والفنّيّة ويخرج إلى رحلات استكشاف لعالمه الباطنيّ ولهُويّته.

في السنوات العشرين الأخيرة يتكرر في أعمال أبو شقرة موتيڤ شجرة الصبّار – الصورة المشحونة بالثقافة الفلسطينيّة، أهمّيتها مشتقة من وظيفتها العمليّة والرمزيّة كجدار نباتي يشير إلى الحدود، وهو دليل على وجود قرى عربية كانت واختفت. جذور الصبّار قوية تتشبث في التراب في الظروف الصعبة واسمه نسبة للصبر وقدرة التحمل.

الصبّار لدى أبو شقرة هو نقطة انطلاق لمناقشة مسائل وجوديّة، شخصيّة وحميميّة، وقضايا قوميّة ذات ثقل. ثمّة حوار فنّيّ غزير يجري بينه وبين المرحوم عاصم أبو شقرة (1961-1990) ابن عمه، الذي تظهر نبتة الصبّار داخل أصيص في معظم أعماله. يقول كريم أبو شقرة أنه في بداية مشاوره الفنّيّ رسم الصبّار تكريمًا لابن عمه عاصم، ومع الوقت نُسج علاقات مباشرة من شجرة الصبّار وطبع فيه من هُويّته، وبواسطته يناقش مسائل مثل البقاء، الاستمرارية وتقرير المصير في بيئة قاسية كثيرة التحديات.

"كان لدي في الاستوديو مرة نبتة صبّار وضعتها على صحن ورسمتها، كان ذلك من أجل تمرين رسم طبيعة صامتة"، يقول أبو شقرة ويضيف، "بعدها نسيتها، لم أسقيها وفكرت أنها ماتت – لكن في يوم ما، بعد حوالي سنة بدون ماء، رأيتها تُنبت نفسها من جديد. ذلك الأخضر الغض الذي برز من بين أجزاء النبتة اليابسة، أثارني جدًا وجعلني أعيد التفكير بالقدرة على التجدّد والصمود رغم الصعاب، وأن آمل الأفضل حتى في حالات اليأس".

يبدو أن صبّار أبو شقرة تحوّل مع الوقت إلى نوع من الركيزة التي ينبثق منها طيف لا نهائيّ من الأمزجة، الأفكار والأحاسيس. تبلورت هذه صورة الوقت كبيت له، بواسطتها يتواصل، ليس فقط مع جذوره العائليّة والقوميّة، بل مع روحه كإنسان وكرسّام.

نيطاع چال عتسمون

حَراك كريم أبو شقرة بين التصويريّ والتجريديّ يبث قوة حيويّة – وكذلك نعومة مؤثّرة. التصّوير الرئيسيّ في أعماله الفنّيّة، والذي تشحنه تلّويناته بتعبيريّة متدفقة، متموضعٌ على مسطح أحاديّ اللون ناعم المنظر، كأنه يغلّف التّصوير ويتيح له الوجود في بيئة حاضنة وآمنة. هذه اللوحات، والتي يعتبرها أبو شقرة "صور ذاتية"، تعرض – علاوة على البورتريهات – تفاصيل من الحي والنبات القريبان من بيته، والتي يفحص بواسطتها جذوره التاريخية والفنّيّة ويخرج إلى رحلات استكشاف لعالمه الباطنيّ ولهُويّته.

في السنوات العشرين الأخيرة يتكرر في أعمال أبو شقرة موتيڤ شجرة الصبّار – الصورة المشحونة بالثقافة الفلسطينيّة، أهمّيتها مشتقة من وظيفتها العمليّة والرمزيّة كجدار نباتي يشير إلى الحدود، وهو دليل على وجود قرى عربية كانت واختفت. جذور الصبّار قوية تتشبث في التراب في الظروف الصعبة واسمه نسبة للصبر وقدرة التحمل.

الصبّار لدى أبو شقرة هو نقطة انطلاق لمناقشة مسائل وجوديّة، شخصيّة وحميميّة، وقضايا قوميّة ذات ثقل. ثمّة حوار فنّيّ غزير يجري بينه وبين المرحوم عاصم أبو شقرة (1961-1990) ابن عمه، الذي تظهر نبتة الصبّار داخل أصيص في معظم أعماله. يقول كريم أبو شقرة أنه في بداية مشاوره الفنّيّ رسم الصبّار تكريمًا لابن عمه عاصم، ومع الوقت نُسج علاقات مباشرة من شجرة الصبّار وطبع فيه من هُويّته، وبواسطته يناقش مسائل مثل البقاء، الاستمرارية وتقرير المصير في بيئة قاسية كثيرة التحديات.

"كان لدي في الاستوديو مرة نبتة صبّار وضعتها على صحن ورسمتها، كان ذلك من أجل تمرين رسم طبيعة صامتة"، يقول أبو شقرة ويضيف، "بعدها نسيتها، لم أسقيها وفكرت أنها ماتت – لكن في يوم ما، بعد حوالي سنة بدون ماء، رأيتها تُنبت نفسها من جديد. ذلك الأخضر الغض الذي برز من بين أجزاء النبتة اليابسة، أثارني جدًا وجعلني أعيد التفكير بالقدرة على التجدّد والصمود رغم الصعاب، وأن آمل الأفضل حتى في حالات اليأس".

يبدو أن صبّار أبو شقرة تحوّل مع الوقت إلى نوع من الركيزة التي ينبثق منها طيف لا نهائيّ من الأمزجة، الأفكار والأحاسيس. تبلورت هذه صورة الوقت كبيت له، بواسطتها يتواصل، ليس فقط مع جذوره العائليّة والقوميّة، بل مع روحه كإنسان وكرسّام.

نيطاع چال عتسمون